الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ الجبرتي المسمى بـ «عجائب الآثار في التراجم والأخبار» **
أحـد مشايـخ الطريـق صاحـب الكرامـات الظاهـرة والأنـوار الساطعة الباهرة عبد الوهاب بن عبد السلام بن أحمد ابن حجازي بن عبد القادر بن أبي العبـاس بـن مديـن بـن أبـي العباس بن عبد القادر بن أبي العباس بن شعيب بن محمد بن القطب سيدي عمر الرزوقي العفيفي المالكي البرهاني يتصل نسبه إلى القطب الكبير سيدي مرزوق الكفافي المشهور ولد المترجم بمنية عفيف إحدى قرى مصر ونشأ بها على صلاح وعفة ولما ترعـرع قـدم إلـى مصـر فحضـر علـى شيـخ المالكيـة فـي عصـره الشيـخ سالـم النفـراوي أيامـا فـي مختصـر الشيخ خليل وأقبل على العبادة وقطن بالقاعة بالقرب من الأزهر بجوار مدرسة السنانية وحج فلقي بمكة الشيخ أدريس اليماني فأجازه وعاد إلى مصر وحضر دروس الحديث على الإمام المحدث الشيخ أحمد بن مصطفى الإسكندري الشهير بالصباغ ولازمه كثيرا حتى عرف به. وأجازه مولاي أحمد التهامي حين ورد إلى مصر بطريقة الأقطاب والأحزاب الشاذلية والسيد مصطفـى البكـري بالخلوتيـة. ولمـا توفـي شيخه الصباغ لازم السيد محمد البليدي في دروسه من ذلـك تفسيـر البيضـاوي بتمامـه. وروى عنـه جملـة من أفاضل عصره كالشيخ محمد الصبان والسيد محمد مرتضى والشيخ محمد بن اسمعيل النفراوي وسمعوا عليه صحيح مسلم بالاشرفية وكان كثير الزيارة لمشاهد الأولياء متواضعًا لا يرى لنفسه مقاما متحرزًا في مأكله وملبسه لا يأكل إلا ما يؤتى إليه من زرعه من بلده من العيش اليابـس مـع الدقـة وكانـت الأمـراء تأتـي لزيارتـه ويشمئـز منهـم ويفـر منهم في بعض الأحيان. وكل من دخل عنده يقدم له ما تيسر من الزاد من خبـزه الـذي كـان يأكـل منـه. وأنتفـع بـه المريدون وكثروا في البلاد ونجبوا ولم يزل يترقى في مدارج الوصول إلى الحق حتى تعلل أياما بمنزله الذي بقصر الشوك. توفي في ثاني عشر صفر سنة 172 ودفن بجوار سيدي عبد الله المنوفي ونزل سيل عظيم وذلك في سنة 1178 فهدم القبور وعامـت الأمـوات فانهـدم قبـره وامتـلأ بالمـاء فاجتمـع أولـاده ومريـدوه وبنـوا لـه قبـرًا في العلوة على يمين تربة الشيخ المنوفي ونقلوه إليه قريبا من عمارة السلطان قايتباي وبنوا على قبره قبة معقودة وعملوا له مقصورة ومقاما من داخلها وعليه عمامة كبيرة وصيروه مزارا عظيمًا يقصد للزيارة ويختلـط بـه الرجـال والنسـاء. ثـم أنيشـأوا بجانبه قصرًا عاليًا عمره محمد كتخدا اباظة وسوروا له رحبة متسعة مثل الحوش لموقف الدواب من الخيل والحمير دثروا بها قبورا كثيرة بها كثير من أكابـر الأوليـاء والعلمـاء والمحدثيـن غيرهـم مـن المسلميـن والمسلمـات. ثـم أنهـم أبتدعـوا له موسمًا وعيدًا في كل سنة يدعون إليه الناس من البلاد القبلية والبحريـة فينصبـون خيامـًا كثيـرة وصواويـن ومطابخ وقهاوي ويجتمع العالم الأكبر من أخلاط الناس وخواصهم وعوامهم وفلاحي الأرياف وأربـاب الملاهـي والملاعـب والغـوازي والبغايـا والقراديـن والحـواة فيملأون الصحراء والبستان فيطـأون القبـور يوقـدون عليهـا النيـران ويصبـون عليها القاذورات ويبوبون ويتغوطون ويزنون ويلوطون ويلعبون ويرقصون ويضربون بالطبول والزمور ليلًا ونهارًا ويستمر ذلك نحو عشرة أيام أو أكثر ويجتمع لذلك أيضًا الفقهاء والعلماء وينصبون لهم خيامًا أيضًا ويقتدي بهم الأكابر من الأمراء والتجار والعامة من غير إنكار بل ويعتقدون ذلك قربة وعبادة. ولو لم يكن كذلك لأنكره العلماء فضلًا عن كونهم يفعلونه فالله يتولى هدانا أجمعين. ومات الشيخ الأجل المعظم سيدي محمد بكري بن أحمد بن عبد المنعم ابن محمد بن أبي السرور محمد بن القطب أبي المكارم محمد أبيض الوجه ابن أبي الحسن محمد بن الجلال عبد الرحمن بـن أحمـد بـن محمـد بـن أحمـد ابـن محمـد بـن عـوض بـن محمـد بـن عبـد الخالـق بـن عبـد المنعـم بـن يحيـى بـن الحسـن بـن موسـى بـن يحيـى بـن يعقـوب بـن نجـم بـن عيسـى بـن شعبـان ابـن عيسى بن داود بن محمد بن نوح بن طلحة بن عبد الله بن عبد الرحمن ابن أبي بكر الصديق وكان يقال له سيـدي أبـو بكـر البكـري شيـخ السجـادة بمصـر ولـاه أبـوه الخلافـة فـي حياتـه لمـا تفرس فيه النجابة مع وجـود أخوتـه الذيـن هـم أعمامـه وهـم أبـو المواهـب وعبـد الخالـق ومحمـد بن عبد المنعم. فسار في المشيخة أحسن سير وكان شيخًا مهيبًا ذا كلمـة نافـذة وحشمـة زائـدة تسعـى إليـه الـوزراء والأعيان والأمراء. وكان الشيخ عبد الله الشبراوي يأتيه في كل يوم قبل الشروق يجلس معه مقدار ساعة زمانية ثم يركب ويذهب إلى الأزهر. ولما مات خلفه ولده الشيخ سيد أحمد وكـان المترجـم متزوجـًا بنـت الشيخ الحنفي فأولدها سيدي خليلا وهو الموجود الآن تركه صغيرًا فتربـى فـي كفالـة ابـن عمـه السيـد محمد أفندي ابن علي أفندي الذي أنحصرت فيه المشيخة بعد وفـاة ابـن عمه الشيخ سيد أحمد مضافة إلى نقابة السادة الأشراف كما يأتي ذكر ذلك أن شاء الله. وكانت وفاة المترجم في أواخر شهر صفر سنة 1171. ومات أيضًا في هذه السنة السلطان عثمان خان العثماني. وتولى السلطان مصطفى بن أحمد خـان وعـزل علـي باشـا ابـن الحكيم وحضر إلى مصر محمد سعيد باشا في أواخر رجب سنة 171 واستمر في ولاية مصر إلى سنة 1173. وفي تلك السنة نزل مطر كثير سالت منه السيول. ومات أفضل النبـلاء وأنبـل الفضـلاء بلبـل دوحـة الفصاحـة وغريدهـا مـن انحـازت لـه بدائعهـا طريفها وتليدها الماجد الأكرم مصطفى أسعد اللقيمي الدمياطي هو أحد الأخوة الأربعة وهم عمر ومحمد وعثمان والمترجم أولاد المرحوم أحمد بن أحمد بن صلاح الدين اللقيمي الدمياطي الشافعي سبط العنبوسي وكلهم شعراء بلغاء توفي سنة 1173. وما أديب الزمان وشاعر العصر والأوان العلامة الفاضل شمس الدين الشيخ محمد سعيد بن محمد الحنفي الدمشقي الشهير بالسمان ورد إلى مصر في سنة 1144 فطارح الأدباء وزاحم بمناكبـه الفضـلاء ثـم عـاد إلـى وطنـه وورد إلـى مصـر أيضًا في سنة 1172 وكان ذا حافظة وبراعة وحسن عشرة وصار بينه وبين الشيخ عبد الله الادكاوي محاضرات ومطارحات وذكره في مجموعته وأثنى عليه وأورد له من شعره كثيرًا ثم توجه إلى الشام وقد وافاه الحمام ودفـن بالصالحية سنة ثلاث وسبعين ومائة وألف. ومات الشيخ الصالح الشاعر اللبيب الناظم الناثر الشيخ عامر الأنبوطي الشافعي شاعر مفلق هجاء ليب شراره محرق كان يأتي من بلده يزور العلماء والأعيان. وكلما رأى لشاعر قصيدة سائرة قلبها وزنا وقافية إلى الهزل والطبيخ فكانوا يتحامون عن ذلك. وكان الشيخ الشبراوي يكرمه ويكسيه ويقول له: يا شيخ عامر لا تزفر قصيدتي الفلانية وهذه جائزتك. ومن بعده الشيخ الخفني كان يكرمه ويغدق عليه ويستأنس لكلامه. وكان شيخًا مسنًا صالحًا مكحل العينين دائمًا عجيبًا في هيئته ومن نظمه ألفية الطعام على وزن ألفية ابن مالك وأولها: يقول عامـر هـو الانبوطـي أحمـد ربي لست بالقنوطي ومـات الأميـر الكبيـر عمـر بـك بـن حسـن بـك رضوان وذلك أنه لما قلد إبراهيم كتخدا تابعه علي بك الكبير إمارة الحج وطلع بالحجاج ورجع في سنة 1167 ونزل عليهم السيل العظيم بظهر حمار وألقى الحجاج وأحمالهم إلى البحر ولم يرجع منهم إلا القليل تشاور فيمن يقلدونه إمارة الحج فاقتضى رأي إبراهيم كتخدا تولية المترجم وقد صار مسنًا هرمًا فاستعفى من ذلك فقـال لـه إبراهيـم كتخـدا: أمـا أن تطلـع بالحـج أو تدفع مائتي كيس مساعدة. فحضر عند إبراهيم كتخـدا فـرأى منـه الجد. فقال: إذا كان ولابد فأني أصرفها واحد ولو أني أصرف ألف كيس. ثم توجه إلى القبلة وقال: اللهم لا ترني وجه إبراهيم هذا بعد هذا اليوم أما أني أموت أو هو يموت. فاستجـاب اللـه دعوتـه ومـات إبراهيـم كتخـدا فـي صفـر قبـل دخـول الحجـاج إلـى مصـر بخمسـة ومات الرجل الفاضـل النبيـه الذكـي المتفنـن المتقـن الفريـد الأوسطـي إبراهيـم السكاكينـي كـان إنسانـا حسنـًا عطارديـا يصنـع السيـوف والسكاكيـن ويجيـد سقيهـا وجلاءهـا ويصنـع قراباتها ويسقطها بالذهب والفضة ويصنـع المقاشـط الجيـدة الصناعـة والسقـي والتطعيـم والبـر كـارات للصنعة وأقلام الجدول الدقيقة الصنعة المخرمة وغير ذلك. وكان يكتب الخط الحسن الدقيق بطريقة متسقة معروفة من دون الخطوط لا تخفى وكتب بخطه ذلك كثيرًا مثل مقامات الحريري وكتب أدبية ورسائل كثيرة في الرياضيات والرسميات وغير ذلك وبالجملة فقد كان فريدا في ذاته وصفاته وصناعتـه لـم يخلـف بعـده مثلـه. توفـي فـي حـدود هـذا التاريـخ وكـان حانوتـه تجـاه جامـع المرداني بالقرب من درب الصياغ. وفي تلك السنة أعني سنة 1171 نزل مطر كثير سالت منه السيول وأعقبه الطاعون المسمى بقارب شيحة الذي أخذ المليح والمليحة. مات به الكثير من الناس المعروفين وغيرهم ما لا يحصـى ثـم خـف وأخـذ ينقـر في سنة 1172 وكان قوة عمله في رجب وشعبان وولد للسلطان مصطفـى مولـود فـي تلـك السنـة وورد الأمـر بالزينـة فـي تلـك الأيـام. وهـذا المولـود هو السلطان سليم المتولـي الـآن ولمـا قتـل حسيـن بـك القازدغلـي المعـروف بالصابونجـي وتعيـن فـي الرياسـة بعـده علـي بك الكبير وأحضر خشداشينه المنفيين وأستقر أمرهم وتقلد إمارة الحج سنة 1173 فبيت مـع سليمـان بـك الشابـوري وحسـن كتخدا الشعراوي وخليل جاويش حيضان مصلي وأحمد جاويش المجنـون وأتفـق معهـم علـى قتـل عبـد الرحمـن كتخـدا فـي غيبتـه وأقـام عوضـه فـي مشيخـة البلد خليل بـك الدفتـر دار فلمـا سافـر استشعـر عبـد الرحمـن كتخـدا بذلـك فشـرع فـي نفـي الجماعة المذكورين فأغرى بهم علي بك بلوط فبن فنفى خليل جاويش حيضان مصلي وأحمد جاويش إلى الحجـاز مـن طريـق السويـس علـى البحـر ونفـى حسـن كتخـدا الشعـراوي وسليمـان بـك الشابوري مملوك خشداشه إلى فارسكور. فلما وصل علي بك وهو راجع بالحج إلى العقبة وصـل إليـه الخبـر فكتـم ذلك وأمر بعمل شنك يوهم من معه بأن الهجان أتاه بخبر سار ولم يزل سائرًا إلى أن وصل إلى قلعة نخل فانحاز إلى القلعة وجمع الدويدار وكتخدا الحج والسدادرة وسلمهـم الحجـاج والمحمـل وركـب فـي خاصتـه وسـار إلى عزة وسار الحجاج من غير أمير إلى أن وصلوا إلى أجرود فأقبل عليهم حسن بك كشكش ومن معه يريد قتل علي بك فلم يجده فحضر بالحجاج ودخل بالمحمل إلى مصر وأستمر علي بك بغزة نحو ثلاثة شهر وأكثر وكاتب الدولـة بواسطـة باشـة الشـام فارسلـوا إليـه واحـدًا أغـا ووعـدوه ومنـوه وتحيلـوا عليه حتى استقصـوا مـا معـه مـن المـال والأقمشـة وغيـر ذلـك. ثم حضر إلى مصر بسعاية نسيبه علي كتخدا الخربطلي وأغراضه ومات بعد وصوله إلى مصر بثمانية أيام. يقال أن بعض خشداشينه شغله ولاية مصطفى باشا وأحمد باشا كامل وفـي تلـك السنـة حضـر مصطفـى باشـا واليًا على مصر وأستمر إلى أواخر سنة 1174 ونزل إلى القبة متوجهًا إلى جدة فأقام هناك. وحضر أحمد باشا كامل المعروف بصبطلان في أواخر سنـة 1174. وكـان ذا شهامـة وقـوة مراس فدقق في الأحكام وصار يركب وينزل ويكشف على الأنبار والغلال فتعصبت عليه الأمراء وعزلوه وأصعدوا مصطفى باشا المعزول وعرضوا في شأنه إلى الدولة وسافر بالعرض الشيخ عبد الباسط السنديوني ووجه مصطفى باشا خازنداره إلى جدة وكيلًا عنه. ولما وصـل العـرض إلـى الدولـة وكان الوزير إذ ذاك محمد باشا راغب فوجهوا أحمد باشا المنفصل إلى ولاية قندية ومصطفى باشا إلى حلب ووجهوا باكير باشا والي حلب إلى مصر فحضر وطلع إلـى القلعـة وأقـام نحـو شهريـن ومـات ودفـن بالقرافـة سنـة 1175 وحضر حسن باشا في أواخر سنة ست وسبعين ثم عزل. وحضر حمزة باشا في سنة 1179 وسيأتي تتمة ذلك واستقر الحال وتقلـد فـي إمـارة الحـج حسيـن بـك كشكـش وطلـع سنـة 1174 ووقـف لـه العـرب في مضيق وحضر إليه كبراؤهم وطلبوا مطالبهم وعوائدهم فأحضر كاتبه الشيخ خليـل كاتـب الصـرة والصـراف وأمرهم بدفع مطلوبات العرب. فذهبوا معه إلى خيمته وأحضر المال وشرع الصراف يعد لهم الدراهم فضرب عند ذلك مدفع الشيل فقال لهم حينئذ: لا يمكن في هذا الوقت فاصبروا حتـى ينـزل الحـج فـي المحطـة يحصـل المطلـوب. وسـار الحـج حتى خرج من ذلك المضيق إلى الوسع ورتب مماليكه وطوائفه وحضر العرب وفيهم كبيرهم هزاع فأمر بقتلهم فنزلوا عليهم بالسيوف فقتلوهم عن أخرهم وفيهم نيف وعشرون كبيرًا من مشايخ العربان المشهورين خلاف هـزاع المذكور وأمر بالرحيل وضربـوا المدفـع وسـار الحـج وتفـرق قبائـل العـرب ونساؤهـم يصرخـون بطلب الثأر. فتجمعب القبائل من كل جهة ووقفوا بطريق الحجاج وفي المضايق وهو يسوق عليهـم مـن إمـام الحـج وخلفـه ويحاربهـم ويقاتلهـم بمماليكـه وطوائفـه حتـى وصل إلى مصر بالحج سالما ومعه رؤوس العربان محملة على الجمال. ودخل المدينة بالمحمل والحجاج منصورا مؤيدا فاجتمع عليه الأمراء من خشداشينه وغيرهم وقال له علي بك بلوط قبن: أنك افسدت علينا العرب وأخربـت طريـق الحـج ومـن يطلـع بالحـج فـي العـام القابـل بعـد هـذه الفعلـة التـي فعلتهـا. فقال: أنا الذي أسافر بالحج في العام القابل ومنى للعرب أصطفل. فطلع أيضًا في السنة الثانية وتجمع عليه العـرب ووقفـوا فـي كـل طريق ومضيق وعلى رؤوس الجبال وأستعدوا له بما أستطاعوا من الكثرة من كل جهة فصادمهم وقاتلهم وحار بهم وصار يكر ويفر ويحلق عليهم من إمام الحج ومن خلفـه حتـى شردهـم وأخافهـم وقتـل منهـم الكثيـر ولـم يبـال بكثرتهم مع ما هو فيه من القلة فإنه لم يكن معه إلا نحو الثلثمائة مملوك خلاف الطوائف والأجناد وعسكر المغاربة. وكان يبرز لحربهم حاسرا رأسه مشهورًا حسامه فيشتت شملهم ويفـرق جمعهـم فهابـوه وأنكمشـوا عـن ملاقاتـه وأنكفـوا عـن الحـج. فلـم تقـم للعـرب معـه بعـد ذلـك قائمـة. فحـج أربـع مـرات أميـرًا بالحـج آخرهـا سنـة 176 ورجع سنة 1177 ولم يتعرض له أحد من العرب ذهابًا وايابًا بعد ذلك. وكذلك أخاف العربان الكائنين حوالي مصر ويقطعون الطريق على المسافرين والفرحين ويسلبون الناس فكان يخـرج إليهـم علـى حيـن غفلـة فيقتلهـم وينهـب مواشيهـم ويرجع بغنائمهم ورؤوسهم في أشناف على الجمال فارتدعوا وأنكفوا عن أفاعيلهم. وأمنت السبل وشاع ذكره بذلك. وفـي هـذه المـدة ظهـر شـأن علـي بـك بلـوط قبـن واستفحـل أمـره وقلـد اسمعيـل بـك الصنجقية وجعله أشراقـه وزوجـه هانـم بنـت سيـده وعمل له مهما عظيما أحتفل به للغاية ببركة الفيل. وكان ذلك فـي أيـام النيـل سنـة 1174 فعلموا على معظم البركة أخشابًا مركبة على وجه الماس يمشي عليها الناس للفرجة. واجتمع بها أرباب الملاهي والملاعيب وبهلوان الحبل وغيره من سائر الأصناف والفرج والمتفرجون والبياعون من سائر الأصناف والأنواع وعلقوا الناديل والوقدات على جميع البيـوت المحيطـة بالبركـة وغالبها سكن الأمراء والأعيان أكثرهم خشداشين بعضهم البعض ومماليك إبراهيم كتخدا أبي العروس. وفي كل بيت منهم ولائم وعزائم وضيافات وسماعات وآلات وجمعيات. وأستمر هذا الفرح والمهم مدة شهر كامل والبلد مفتحة والناس تغدو وتروح ليلًا ونهارًا للحظ والفرجة من جميع النواحي. ووردت على علي بك الهدايا والصلات من إخوانه الأمراء والأعيان والاختيارية والوجاقلية والتجار والمباشرين والأقباط والإفرنج والأروام واليهود والمدينـة عامـرة بالخيـر والنـاس مطمئنـة والمكاسب كثيرة والأسعار رخية والقرى عامرة. وحضرت مشايخ البلدان وأكابر العربـان ومقـادم الإقاليـم والبنـادر بالهدايـة والأغنـام والجواميـس والسمـن والعسل وكل من الأمراء والإبراهيمية كأنه صاحب الفرح والمشار إليه من بينهم صاحب الفرح علـي بيـك. وبعد تمام الشهر زفت العروس في موكب عظيم شقوا به من وسط المدينة بأنواع الملاعيب والبهلوانات والجنك والطبول ومعظم الأعيان والجاويشية والملازمين والسعاة والأغوات إمام الحريمات وعليهم الخلع والتخاليق المثمنة وكذلك المهاترة والطبالـون وغيرهـم مـن المقدميـن والخـدم والجاويشية والركبدارية والعروس في عربة. وكان الخازندار لعلي بيك في ذلك الوقت محمد بك أبو الذهب ماشيًا بجانب العربة وفي يده عكاز ومن خلفها أولاد خزنات الأمراء ملبسين بالزرد والخود واللثامات الكشميري مقلدين بالقسي والنشاب وبأيديهم المزاريق الطوال وخلف الجميع النوبة التركية والنفيرات. فمن ذلك الوقت أشبهر أمر علي بك وشاع ذكره ونما صيته وقلد أيضًا مملوكه علي بك المعروف بالسروجية. ولما كان عبد الرحمـن كتخـدا بـان سيدهـم ومركـز دائـرة دولتهـم انضـوى إلـى ممالأتـه ومـال هـو الآخـر إلـى صداقتـه ليقوى به على أرباب الرياسة من اختيارية الوجاقات وكل منهما يريد تمام الأمر لنفسه. حتى أن عبد الرحمن كتخدا لما أراد نفي الجماعة المتقدم ذكرهم مع بعض المتكلمين وصوروا علي أحمد جاويش المجنون ما يقتضـي نفيـه ثـم عرضـوا ذلـك علـى عبـد الرحمن كتخدا فمانع في ذلك وأظهر الغيظ وأصبح في ثانـي يـوم أجتمـع عنـده الاختياريـة والصناجـق علـى عادتهـم. فلما تكامل حضور عين عبد الرحمن كتخـدا غاديـا إلـى بيـت علـي بـك وكذلـك باقـي الأمـراء والاختياريـة وصـار الجميـع والديـوان في بيته من ذلك اليوم ولبس الخلعة من الباشا على ذلك ثم أنهم طلعوا أيضًا في ثاني يوم إلى الديوان وأجتمعوا بباب الينكجرية وكتبوا عرضحال بنفي أحمد جاويش وخليل جاويش وسليمان بك الشابوري فقال عبد الرحمن كتخدا: وأكتبوا معهـم حسـن كتخـدا الشعـراوي أيضـًا. فكتبـوه وأخرجوا فرمانًا بذلك نفوهم كما ذكر واستمروا في نفيهم. وعمل أحمد جاويش وقادا بالحرم المدني وخليل جاويش أقام أيضًا بالمدينة والشابوري وحسن كتخدا جهة فارسكور والسرو ورأس الخليج وأخذ علي بك يمهد لنفسه وأستكثر من شراء المماليك وشرع فـي مصـادرة الناس. ويتحيل على أخذ الأموال من أرباب البيوت المدخرة والأعيان المستورين مع الملاطفة حادثة سماوية ومـن الحـوادث السماويـة أن فـي يـوم السبـت تاسـع عشـر جمادى الأولى هبت رسح عظيمة شديدة نكبـاء غريبـة وغـرق منهـا بالإسكندريـة ثلاثـة وثلاثـون مركبـا فـي مرسـى المسلميـن وثلاثـة مراكـب في مرسى النصارى. وضجت الناس وهاج البحر شديدًا وتلف بالنيل بعض مراكب وسقطت عدة أشجار. وطلـع علـي بـك أميـرًا بالحـج فـي سنـة 1177 ورجـع فـي أوائـل سنـة 1178 فـي أبهـة عظيمـة وأرخى مملوكه محمد الخازندار لحيته على زمزم. فلما رجع قلده الصنجقية وهو الذي عرف بأبي الذهب. ثم قلد مملوكه أيوب أغا ورضوان قرابينه وإبراهيم شلاق بلغيه وذا الفقار وعلي بك الحبشي صناجق أيضًا. وأنقضت تلك السنة وأمر علي بك يتزايد. وشهلوا أمور الحج على العادة وقبضوا الميري وصرفوا العلوفات والجامكية والصرة وغلال الحرمين والانبار وخرج المحمل علـى القانـون المعتـاد وأميره حسن بك رضوان. ولما رجع من البركة بعد أرتحال الحج طلع علي بك وخشداشينه وأغراضه وملكوا أبواب القلعة وكتبوا فرمانا وأخرجوا عبد الرحمن كتخدا وعلي كتخدا الخربطلي وعمر جاويش الداودية ورضوان جربجي الرزاز وغيرهم منفيين. فأما عبـد الرحمـن كتخدا فأرسلوه إلى السويس ليذهب إلى الحجاز وعينوا للذهاب معه صالح بك ليوصلـه إلـى السويـس. ونفـوا باقـي الجماعـة إلـى جهـة بحـري وأرتجـت مصـر فـي ذلـك اليـوم وخصوصًا لخروج عبد الرحمن كتخدا فإنه كان أعظم الجميع وكبيرهم وابن سيدهم وله الصولة والكلمة والشهرة وبه أرتفع قدر الينكجرية على العزب وكان له عزوة كبيرة ومماليك وأتباع وعساكر مغاربـة وغيرهـم حتـى ظـن الناس وقوع فتنة عظيمة في ذلك اليوم. فلم يحصل شيء من ذلك سـوى مـا نـزل بالنـاس مـن البهتـة والتعجـب. ثم أرسل إلى صالح بك فرمانا ينفيه إلى غزة فوصل إليه الجاويش فـي اليـوم الـذي نـزل فيـه عبـد الرحمـن كتخـدا فـي المركـب وسافـر وذهـب صالـح بـك إلـى غزة فأقام بها مدة قليلة ثم أرسلوا له جماعة ونقلوه من غزة وحضروا به إلى ناحية بحري وأجلسـوه برشيـد ورتـب لـه علـي بـك مـا يصرفـه وجعـل لـه فائظـا فـي كـل سنة عشرة أكياس. فأقام برشيـد مـدة فحضـرت أخبـار وصـول الباشا الجديد وهو حمزة باشا إلى ثغر سكندرية فأرسلوا إلى صالح بك جماعة يغيبونه من رشيد ويذهبون به إلى دمياط يقيم بها وذلك لئلا يجتمع بالباشا. فلما وصلت إليه الأخبار بذلك ركب بجماعته ليلًا وسار إلى جهة البحيرة وذهب مـن خلـف جبـل الفيـوم إلـى جهة قبلي فوصل إلى منية ابن خصيب فأقام بها وأجتمع عليه أناس كثيرة من الذين شردهم علي بك ونفاهم في البلاد وبنى له أبنية ومتاريس وكان له معرفة وصداقـة مـع شيـخ العـرب همـام وأكابـر الهـوارة وأكثـر البلـاد الجارية في التزامه جهة قبلي. وأجتمع عليـه الكثيـر منهـم وقدمـوا لـه التقـادم والذخيـرة وما يحتاج إليه ووصل المولى حفيد أفندي القاضي وكـان من العلماء الأفاضل ويعرف بطرون أفندي وكان مسنًا هرمًا فجلس على الكرسي بجامع المشهـد الحسينـي ليملـي درسًا فأجتمع عليه الفقهاء الأزهرية وخلطوا عليه وكان المتصدي لذلك الشيـخ أحمـد بـن يونـس والشيـخ عبـد الرحمن البراذعي فصار يقول لهم: كلموني بآداب البحث أما قرأتـم آداب البحـث. فـزادوا فـي المغالطـة فمـا وسعـه إلا القيـام فانصرفـوا عنـه وهـم يقولون عكسناه. وفي شعبان من السنة المذكورة شرع القاضي المذكور في عمل فرح لختان ولده فأرسل إليه علي بك هدية حافلة وكذلك باقي الأمراء والاختيارية والتجار والعلماء حتى امتلأت حواصل المحكمـة بالـأرز والسمـن والعسـل والسكر وكذلك امتلأ المقعد بفروق البن ووسط الحوش بالحطب الرومي وأجتمع بالمحكمة أرباب الملاعيب والملاهي والبهلوانات وغيرهم وأستمر ذلك عدة أيام والنـاس تغـدو وتـروح للفرجـة. وسعـب العلماء والأمراء والأعيان والتجار لدعوته. وفي يوم الزفة أرسل إليه علي بك ركوبته وجميع اللوازم من الخيول والمماليك وشجر الدر والزرديات وكذلك طاقـم الباشـا من الأغوات والسعاة والجاويشية والنوبة التركية وأركبوا الغلام بالزفة إلى بيت علي بك فألبسه فروة سمور ورجع إلى المحكمة بالموكب وختن معه عدة غلمان وكان مهما مشهودًا وأتحـد هـذا القاضـي بالشيـخ الوالـد بالشيـخ الوالـد وتـرد كـل منهمـا على الآخر كثيرًا وحضر مرة في غيـر وقـت ولا موعـد في يوم شديد الحر فلما صعد إلى أعلى الدرج وكان كثيرًا فاستلقى من التعـب علـى ظهـره لهرمـه فلما تروح وأرتاح في نفسه قال له الشيخ: يا أفندي لاي شيء تتعب نفسك أنا آتيك متى شئت. فقال: أنا أعرف قدرك وأنت تعرف قدري. وكان نائبه من الأذكياء أيضًا. ولما حضر حمزة باشا سنة 1179 المذكورة واليًا على مصر وطلع إلى القلعة عرضوا له أمر صالح بك وأنه قاطع الطريق ومانع وصول الغلال والميري وأخذوا فرمانا بالتجريد عليه وتقلد حسيـن بـك كشكـش حاكـم جرجـا وأمي رالتجريدة وشرعوا في التشهيل والخروج فسافر حسين بك كشكش وصحبته محمد أبو الذهب وحسن بك الأزبكاوي فالتطموا مع صالح بك لطمة صغيـرة ثـم توجـه وعـدى إلـى شـرق أولـاد يحيـى وكـان حسيـن بـك شبكـة مملـوك حسين بك كشكش نفـاه علـي بـك إلـى قبلـي فلمـا ذهـب صالـح بـك إلـى قبلـي أنضـم إليه وركب معه فلما توجه حسين بك بالتجريدة وعدى صالح بك شرق أولاد يحيى أنفصل عنه وحضر إلى سيده حسين بك وأنضم إليه كما كان ورجع محمد بك وحسن بك إلى مصر وتخلف حسين بك عن الحضور يريـد الذهـاب إلـى منصبـه بجرجـا وأقـام فـي المنيـة فأرسـل إليـه علـي بـك فرمانـا بنفيـه إلـى جهة عينها له فلم يمتثل لذلك وركب في مماليكه وأتباعه وأمرائه وحضر إلى مصر ليلًا فوجـد البـاب الموصـل لجهـة قناطـر السبـاع مغلوقـا فطرقـه فلـم يفتحوه فكسره ودخل وذهب إلى بيته وبقي الأمر بينهـم علـى المسالمة ايامًا فأراد علي بك أن يشغله بالسم بيد عبد الله الحكيم وقد كان طلب منه معجونًا للبـاءة فوضـع لـه السـم فـي المعجـون وأحضـره لـه فأمـره أن يأكـل منـه أولًا فتلكـأ وأعتذر فأمر بقتله. وكان عبد الله الحكيم هذا نصرانيًا روميًا يلبس على رأسه قلبق سمور وكان وجيهًا جميل الصورة فصيحًا متكلمًا يعرف التركية والعربية والرومية والطليانية. وعلم حسين بك أنها من عزيمة علي بك فتأكدت بينهما الوحشة وأضمر كل منهما لصاحبه السوء وتوافق علي بك مع جماعته على غدر حسين بك أو أخراجه فوافقوه ظاهرًا وأشتغل حسين بك على أخراج علي بك وعصب خشداشينه وغيرهم وركبوا عليه المدافع فكرنك في بيته وأنتظر حضور المتوافقين معه فلم يأته منهم أحد وتحقق نفاقهم عليه. فعند ذلك أرسل إليهم يسألهـم عـن مرادهـم فحضـر إليه منهم من يأمره بالركوب والسفر فركب وأخرجوه منفيًا إلى الشام ومعـه مماليكـه وأتباعه وذلك في أواخر شهر رمضان سنة 1179 وأقام بالعادلية ثلاثة أيام حتى عملـوا حسابـه وحسـاب أتباعـه وهـم محيطون بهم من كل جهة بالعسكر والمدافع حتى فرغوا من الحسـاب وأستخلصـوا مـا بقـي علـى طرفهـم ثـم سافـروا إلـى جهة غزة وكانت العادة فيمن ينفى من أمـراء مصـر انـه إذا خـرج إلـى خارج فعلوا معه ذلك ولا يذهب حتى يوفي جميع ما يتأخر بذمته مـن ميري وخلافه وأن لم يكن معه ما يوفي ذلك باع أساس داره ومتاعه وخيوله ولا يذهب إلا خالص الذمة. وسافر صحبة علي بك أمراؤه وهم محمد بك وأيوب بك ورضوان بك وذو الفقار بك وعبد الله أغا الوالي وأحمد جاويش وقيطاس كتخدا وباقي أتباعه. وأستقر خليل بك كبير البلد مع قسيمه حسين بك كشكش وباقي جماعته وحسن بك جوجو وعزلوا عبد الرحمن الرحمن أغا وقلدوا قاسم أغا الوالي أغات مستحفظان وورد الخبر من الجهة القبلية بأن صالـح بـك رجـع مـن شـرق أولـاد يحيى إلى المنية وأستقر فيها وحصنها. فعند ذلك شرعوا في تشهيل تجريـدة وبـرزوا إلـى جهـة البساتيـن. وفـي تلـك الأيـام رجـع علـي بـك ومـن معـه علـى حيـن غفلـة ودخل إلى مصر فنزل ببيت حسين بك كشكش ومحمد بك نزل عند عثمان بك الجرجاوي وأيوب بك دخل منزل إبراهيم أغا الساعي فأجتمع الأمراء بالآثار وعملوا مشوره في ذلك. فاقتضى الرأي بأن يرسلوه إلى جدة فأجتمع الرأي بأن يعطوه النوسات ويذهب إليها فرضي بذلـك وذهـب إلـى النوسـات وأقـام بهـا وأرسلـوا محمـد بـك وأيـوب بـك وضـوان بـك إلى قبلي بناحية أسيـوط وجهاتها وكان هناك خليل بك الأسيوطي فانضموا إليه وصادقوه وسفروا التجريدة إلى صالـح بـك فهزمـت فأرسلـوا لـه تجريـدة أخـرى وأميرهـا حسـن بـك جوجو وكان منافقا فلم يقع بينهم إلا بعض مناوشات ورجعوا أيضًا كأنهم مهزومون وأرسلوا له ثالث ركبة فكانت الحرب بينهم سجالًا ورجعوا كذلك بعد أن اصطلحوا مع صالح بك أن يذهب إلى جرجا ويأخذ ما يكفيه هو ومن معه ويمكث بها ويقوم بدفع المال والغلال. وكان ذلك في شهر جمادى الأولى سنة 180 وفـي ثانـي شعبـان منهـا اتهمـوا حسـن بـك الأزبكـاوي أنـه يراسـل علـي بك وعلي بك يراسله فقتلوه في ذلك اليوم بقصر العيني ورسموا بنفي خشداشينه وهم حسن بك أبو كرش ومحمد بك الماوردي وسليمان أغا كتخدا الجاويشية سيد الثلاثة وهو زوج أم عبد الرحمن كتخدا وكان مقيمًا بمصر القديمة وقد صار مسنًا فسفروهم إلى جهة بحري ةتخيلوا من أقامـة علـي بـك بالنوسات فأرسلوا له خليل بك السكران فأخذه وذهب به إلى السويس ليسافر إلى جدة من القلزم وأحضر له المركب لينزل فيها. وفي ثاني شهر شوال من السنة ركب الأمراء إلى قراميدان ليهنئوا الباشا بالعيد وكان معتاد الرسـوم القديمة أن كبار الأمراء يركبون بعد الفجر من يوم العيد كذلك أرباب العكاكيز فيطلعون إلـى القلعـة ويمشـون إمـام الباشـا مـن بـاب السراية إلى جامع الناصر بن قلاوون فيصلون صلاة العيد ويرجعون كذلك ثم يقبلون أتكه ويهنئونه وينزلون إلى بيوتهم فيهنئ بعضهم بعضًا على رسمهم وأصطلاحهم وينزل الباشا في ثاني يوم إلى الكشك بقراميدان وقد هيئت مجالسـه بالفـرش والمساند والستائر واستعد فراشو الباشا بالتطلي والقهوة والشربات والقماقم والمباخر ورتبـوا جميع الأحتياجات واللوازم من الليل وأصطف الخدم والجاويشيـة والسعـاة والملازمـون وجلـس الباشـا بذلـك الكشك وحضرت أرباب العكاكيز والخدم قبل كل أحد ثم يأتي الدفتر دار وأمير الحـاج والأمـراء الصناجـق والاختياريـة وكتخـدا الينكجريـة والعـزب أصحاب الوقت والمقادم والأوده باشية واليمقات والجربجية فيهنئون الباشا ويعيدون عليه وعلى قدر مراتبهم بالقانون والترتيب ثم ينصرفون. فلما حضروا في ذلك اليوم المذكور وهنأ الأمراء الصناجـق الباشـا وخرجـوا إلـى دهليـز القصـر يريـدون النـزول وقـف لهم جماعة وسحبوا السلام عليهم وضربوا عليهم بنـادق فأصيـب عثمـان بـك الجرجـاوي بسيف في وجهه وحسين بك كشكش أصيب برصاصة نفذت من شقه وسحب الآخرون سلاحهم وسيوفهم وأحتاط بهم مماليكهم نط أكثرهم من حائـط البستـان ونفـذوا مـن الجهـة الأخرى وركبوا خيولهم وهم لا يصدقون بالنجاة. و انجرح أيضًا اسمعيل بك أبـو مدفـع ومحمـود بـك وقاسـم أغـا ولكـن لـم يمـت منهـم إلا عثمـان بـك. وباتـوا علـى ذلـك فلما أصبحوا اجتمعـوا وطلعـوا إلـى الأبـواب وأرسلـوا إلـى الباشـا يأمرونـه بالنـزول فنـزل إلـى بيـت أحمـد بـك كشـك بقوصـون وعنـد نزولـه ومـروره ببـاب العـزب وقـف لـه حسين بك كشكش وأسمعه كلامًا قبيحًا ثم أنهم جعلوا عوضا خليل بك بلغيه قائمقام وقلدوا عبد الرحمن أغا مملوك عثمان بك صنجقًا عوضًا عن سيده ونسبت هذه النكتة إلى حمزة باشا وقيل أنها من علي بك الذي بالنوسـات ومراسلاته إلى حسن بك جوجو فبيت مع أنفار من الجلفية وأخفاهم عنده مدة أيام وتواعدوا على ذلك اليوم وذهبوا إلى الكشك بقراميدان وكانوا نحو الأربعين فاختلفوا واتفقوا علـى ثاني يوم بدهليز بيت القاضي وتفرقوا إلا أربعة منهم ثبتوا على ذلك الأتفاق وفعلوا هذه الفعلـة وبطل أمر العيد من قراميدان من ذلك اليوم. وتهدم القصر وخرب وكذلك الجنينة ماتت أشجارهـا وذهبـت نضارتهـا لمـا حصلـت هـذه الحادثـة أرسلوا حمزة بك إلى علي بك فوجده في المركب بالغاطس ينتظر أعتدال الريح للسفر فرده إلى البر وأركبه بمماليكه وأتباعه ورجع إلى جهـة مصـر ومـر مـن الجبـل وذهب إلى جهة شرق اطفيح ثم إلى أسيوط بقبلي ورجع حمزة بك إلـى مصـر. ثـم أن علـي بـك أجتمـع عليه المنفيون وهوارة وخلافهم وأراد الأنضمام إلى صالح بك فنفر منه فلم يزل يخادعه وكان علي كتخدا الخربطلي هناك منفيًا من قبله وجعله سفيرًا فيما بينـه وبيـن صالـح بـك هـو وخليـل بـك الأسيوطـي وعثمـان كتخـدا الصابونجـي فأرسلهـم فلم يزالوا به حتى جنح لقولهم. فعند ذلك أرسل إليه محمد بك أبو الذهب فلم يزل به حتى أنخدع له وأجتمـع عليـه بكفالـة شيـخ العرب همام وتحالفا وتعاقدا وتعاهدا على الكتاب والسيف. وكتبوا بذلـك حجـة وأتفـق مع علي بك أنه إذا تم لهم الأمر أعطى لصالح بك جهة قبلي قيد حياته. وأتفقـوا علـى ذلـك بالمواثيـق الأكيـدة وأرسلـوا بذلـك إلـى شيـخ العـرب همام فانسر بذلك ورضي به مراعاة لصالح بك وأمدهم عند ذلك همام بالعطايا والمال والرجال وأجتمع عليهـم المتفرقـون والمشـردون مـن الغـز والأجنـاد والهوارة والشجعان ولموا جموعا كثيرة وحضروا إلى المنية وكان بها خليل بك السكران. فلما بلغه قدومهم أرتحل منها وحضر إلى مصر هاربًا وأستقر علي بك وصالح بك وجماعتهم بالمنية وبنوا حولها أسوارا وأبراجا وركبوا عليها المدافع وقطعوا الطريق علـى المسافريـن المبحريـن والمقبليـن. وأرسـل علـي بـك إلـى ذي الفقار بك وكان بالمنصورة وصحبته جماعة كشاف فارتحلوا ليلًا وذهبوا إلى المنية فعمل الأمراء جمعية وعزموا على تشهيل تجريدة وتكلمـوا وتشـاوروا فـي ذلك فتكلم الشيخ الحفناوي في ذلك المجلس وأفحمهم بالكلام ومانع في ذلـك وحلـف أنـه لا يسافـر أحد بتجريدة مطلقًا وإن فعلوا ذلك لا يحصل لهم خير أبدًا فقالوا: إنه هـو الذي يحرك الشر ويريد الانفراد بنفسه ومماليكه وأن لم نذهب إليه أتى هو إلينا وفعل مراده فينا فقال لهم الشيخ: أنا أرسل إليه مكاتبة فلا تتحركوا بشيء حتى يأتي رد الجواب. فلم يسعهـم إلا الإمتثـال فكتـب لـه الشيـخ مكتوبًا ووبخه فيه وزجره ونصحه ووعظه وأرسلوه إليه فلم يلبـث الشيـخ بعـد هـذا المجلـس إلا أيامـًا ومـرض ورمـى بالـدم وتوفـي إلـى رحمـة اللـه تعالـى. فيقـال أنهـم
|